د. فهد الفانك
في كثير من الأحيان يتحمس البعض ويقفزون إلى الأمام دون استعداد كافٍ ، كالقفز من التخلف إلى الديمقراطية ، ومن شهادة التوجيهي إلى جائزة نوبل.
وزيرة الاتصالات تنادي بالانتقال من الاقتصاد المعرفي إلى الاقتصاد الرقمي. هذه القفزة تفيدنا بأن الاقتصاد الرقمي يمثل مرحلة أعلى من الاقتصاد المعرفي ، وأننا شبعنا من الاقتصاد المعرفي وحان الوقت للارتقاء إلى مرحلة أعلى هي الاقتصاد الرقمي فهل هذا صحيح؟.
الحقيقة أن الاقتصاد المعرفي في بلدنا ما زال في اول الطريق ، ويعتبر هدفاً بعيد المنال ، ولا بد من إنضاجه قبل أن ننتقل إلى ما هو أعلى ، وإلا فإن أصحاب الاقتصاد الرقمي سيجدون أنفسهم مفصولين ومعزولين عن مجتمعاتهم التي ما زالت أسيرة الاقتصاد التقليدي.
يذكرني هذا بما كان يدعو إليه المفكر المصرفي سيد ياسين الذي كان في وقت ما أميناً عاماً لمنتدى الفكر العربي بعمان.
ياسين كان يدعو إلى ما بعد الحداثة ، وألف كتاباً يمثل محاولته نقل المجتمع العربي إلى مرحلة ما بعد الحداثة. وفي مقابلة أجريت معه في التلفزيون الأردني ، سؤال عما إذا كان ما بعد الحداثة يمكـن أن يقفز عن الحداثة نفسها التي لم تصلها المجتمعات العربية بعد ، فلماذا تدعو لما بعد الحداثة ونحن لم نبلغ الحداثة بعد ، ولم نتفق على تحديد معنى الحداثة.
حرق المراحل مدرسة من مدارس الفكر والتنفيذ ، يطالب بها المتعجلون للتقدم والتطور ، ولكنها تفتقر إلى الأساس المكين ، فالبشرية كانت تنتقل من مرحلة اجتماعية إلى مرحلة أعلى بعد ان تنضج المرحلة الأولى وتستنفذ أغراضها ، وتوالت المراحل بدءاً من الرعي ، فالزراعة ، فالصناعة ، فالخدمات ، وأخيراً اقتصاد المعرفة.
على هذه الحال تجري اليوم محاولة الارتقاء بالأردن إلى مرحلة الحياة الديمقراطية والحكومة البرلمانية بأحسن صورها كما يعرفها العالم ، فهل نحن مستعدون فعلاً لهذه المرحلة ، وهل نضجت مرحلة الحياة الحزبية والهوية الوطنية ، أم أننا ما زلنا في مرحلة المكونات الاجتماعية على أسس دينية وطائفية وعرقية وعشائرية ومحلية؟.
خريج الصف السادس الابتدائي لا يجوز له الالتحاق بالجامعة لدراسة الهندسة أو الطب بحجة حرق المراحل.
عرّف بعضهم الحداثة بأنها القدرة على التكيف مع الظروف والمتغيرات والصدمات سواء كانت محتملة أم طارئة.